محنة اللغة العربية المتقوقعة ومحنة المثقف العربي في عصر السوبر حداثة
الاعاجم منهم سيبويه ونفطويه كانوا سادة العرب في لغتهم فاين انتم يا اصحاب العقل المزركة
كانت
العربية قائمة حية قبل الاسلام مكتوبة ومحكية خارج الجزيرة العربية في
العراق وسوريا، كانت على جانب من حداثة ذاك الزمان، عربية المناذرة اولدت
شعراء منهم (امرؤ القيس) صاحب معلقة (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل) التي
كانت تعلق على استار الكعبة، ومنهم الشاعر (المنخل اليشكري) الذي قال
(احبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري) وكان منهم خطيب العرب (قس بن ساعدة
الايادي) الذي سجلت خطبته في لغة عربية بليغة استشهد بها شاعر حديث فقال
(اذا ضربت فانني زيد الفوارس في الجلاد واذا نطقت فانني قس بن ساعدة
الايادي)، كانت لغتهم العربية تطابق تقدم تلك العهود. الا ان العرب بعدئذ
سادت عليهم لهجة قريش لهجة الصحاري والقفار المليئة بالمرادفات الصحراوية
فتصخرت وتجمدت فللبعير مائة مرادف، البعير والعيس (كالعيس في البيداء
يقتلها الضمى والماء فوق ظهورها محمول)، في عرب الجزيرة كان البعير محور
حياتهم اما عرب اليوم في السعودية فقد استبدلوا الهوادج بسيارات
(الكادلاك) الامريكية. وفي معرض عالمي في تورنتو للامم، كنت يومذاك اعمل
في (راديو كندا الدولي) زرت المعرض والذي اصقعني ان اسرائيل احضرت بعيرا
في وقت تتفاخر السعودية بابوال البعير دون ان يعرضوه في مكان من العالم،
لان (عزة) عشيقة الشاعر المعروف (كثير) اخذت تمتطي (الكاديلاك) بدلا من
(الهودج). كانوا ولايزالون يفرقون بين الجمال فيقولون (الراحلة) لجمال
القوافل التجارية أو المحامل، و (الجالمة) السوداء و (الوضحاء) البيضاء و
(الخلفاء) الحلوب. ويتفاخرون بانساب البعران فمن السلالات المشهورة من
الهجن (بنات الوري) وخرجت من هذه السلالات (بنات ظبيان) وبنات (هملول) و
(بنات شمطير) و (بنات صوغان) و (بنات امصيحان) و (بنات الاصيفر) و (بنات
عرجة) كانت هذه ثقافتهم ولانزال يجعلون الجمال اعلى مقاما من البنات. وكان
الغني في ذاك الزمان يمنح عروسه الف بعير او ناقة. اما السيف فله مائة
مرادف (الحسام) و (البتار) و (ألحاسم) وغيره وكانوا يدعون احسن السيوف
التي استخدموها في الفتوحات بـ (السيوف اليمانية) لانها كانت تنتج في
اليمن فالجزيرة العربية لم تنتج اية اداة وكانت اليمن جنوبا تحمل
تكنولوجيات انتاج السيوف وكانت الجزيرة ارضا يباب آنذاك ارض رجال قتال
وسبي ونهب القبيلة الاضعف تفرض الفديات عليها بالفتيات والنوق والبعران.
اللغة
العربية تدرس ستة ايام من سبع ايام الاسبوع ابتداء من الابتدائية (زيزي
زيري زيران) حيث يحفظها الولد والبنت دون ان يفهما معناها فالكلمتين (زيز)
او (زير) ليستا في اللهجة العربية التي يسمعها الطالب في البيت ولا يعرفها
الاب والام وربما ابو خلدون ساطع الحصري لا يعرفها. يستمر الطلاب في
دراسة اللغة العربية ثم يتخرجون بعد اثني عشر سنة من دراستها واغلبهم
لايعرف الفاعل من المفعول به ولايعرفون (ان وأخواتها) اي (ان) لها اخوات و
(كان واخواتها) ولماذا لم يقل لنا (ريح التفاح) اي (سيبويه) الفارسي الاصل
(كان واخوانه) اليس هذا ولاول مرة في التاريخ يدخلون الاناث في الصرف
والنحو. ففي العربية اللهجات من هذا المحيط اخرجت لهجات عربية شمالية
متقدمة تأثرت بحضارات اليونان وفارس ثم طغت عليها لهجة السيوف والبعران
والهوادج. الطلاب في المدارس في كافة انحاء العالم العربي يعانون ضعفاً
كبيراً في لغتهم، وليست الشكوى في ظاهرة الضعف الإملائي في جميع مراحل
التعليم حتى الجامعة، ولا يقتصر هذا الضعف في اللغة العربية وثقافتها،
الواقع ان دروس اللغة العربية تدرس على مدار الاسبوع في المدارس
الابتدائية والثانوية الا ان الطلبة يتخرجون ولا يستطيعون تبيان الفاعل او
المفعول به. لم ارى في لغات العالم لغة تستخدم الضمة والفتحة والكسرة. في
النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى، أخذت مشكلة اللغة تطفو على سطح
التصوف. فقد تعمَّقت الأحوال الصوفية ودقَّت المعانى وتفرَّدت، فلم يعد
بإمكان اللغة العادية أن تصوِّر الدقائق الصوفية التى يودُّ أهل التصوف
البوح بها. وتفاقم ذلك الإشكال التعبيرى، حتى صار بمثابة أزمة تبدَّت فى
شطحات الحلاج ُفي محاوَلَة تَفِجيرِ اللُّغَـة العربية اذ قال (أَشْرَفْتُ
عَلَى مَيْدَانِ اللَّيْسِيَّةِ، فَمَا زِلْتُ أَطِيرُ فِيهِ عَشْرَ
سِنينَ، حَتَّى صِرْتُ مِنْ لَيْسَ فى لَيْسَ بِلَيْسَ، ثُمَّ أَشرَفتُ
على التضييعِ، حَتَّى ضِعْتُ فىِ الضَّيَاعِ ضَيَاعاً، وضَعْتُ، فِضِعتُ
عَنِ التَّضْييع بليْسَ، فىِ لَيْسَ، فىِ ضَيَاعَةِ التضْييعِ، ثُمَّ
أشرَفتُ عَلَى التوحِيدِ، فىِ غَيْبُوبَةِ الخَلقِ عَنِ العَارفِ،
وغيْبوبَةِ العارِفِ عن الخلْقِ) واذا بالحلاج، يختمها بكلمة أشد خطراً
(المزج. ثم يشبِّه هذا المزج بين روحه وروح المحبوب "الله" بمزج الخمر
الحسية بالماء!) انه الكفر في العرف الاسلامي لذا أُخرج الحسين بن منصور
الحلاَّج من سجنه، فجُلد، وقُطعت يداه ورجلاه، وشُوِّه، وصُلب، وقُطعت
رأسه، وأُحرقت جثته قيل عنه علق على جسر بغداد. الواقع ان اغلب صحفنا
تستخدم مصححا لغويا كما كان في يوم كنت اعمل في جريدة الجمهورية في ملحق
(طب وعلوم) للمقالات التي يكتبها المحررين او الواردة على الجريدة من
دكاترة واساطين في العلم، كان المصحح اللغوي يصحح المواد التي ينبغي ان
تدخل في اطارها اللغوي وفق ما ذكره سيبويه ونفطوية الاعجميان وهذا
مالانجده في الانكليزية.
الواقع ان عصر انفجار المعلومات كان
صعقة كبرى للغة العرب، اذ دون شك إن اللغة العربية اخذت تعاني الصعاب أمام
التراكم الهائل في المصطلحات العلمية والتكنولوجية المتعددة التخصصات،
خاصة بمشكلات الاتصالت الجديدة التي تجتاحنا في الحياة الآن كالسونامي في
التخصصات المتعددة والمتشابكة في العلوم والطب وفي كافة مناحي الحياة
المعقدة في عصر فوق الحداثة عبر المجلات العلمية التي تأتينا بكل ما هو
مستحدث من مفردات جديدة بعضها في التخصص وبعضها عامة للمجتمع. التخصصاصات
غدت جزءا مهما في العالم الغربي ففي الجامعات الغربية تنقسم المواضيع الى
تخصصات عديدة وفي كل موضوع عام تتفرع منه تخصصات عديدة. يتواجد الى جانب
التدريس الكلاسيكي مختبرات للبحث اما في جامعاتنا فيجري التدريس بطريقة
(تلقين القرود) الاستاذ يلقي المحاضرة بالعربية فيسجلها الطالب كتابة ثم
يهضمها وليس هناك من مختبرات. كافة القفزات العلمية والتكنولوجية تأتي من
مختبرات الابحاث من المختبرات الجامعية او المختبرات المتخصصة الحكومية او
من مختبرات عمالقة انتاج الادوية او الاجتماعيات والاقتصاد وتفرعات عديدة
لاعد لها. اضف الى ذلك شبكات الأنترنيت التي جعلت العالم في المفردات
العلمية التي تنفرز في كل لحظة بكم هائل باللغات الانكليزية والفرنسية
والالمانية تسبق الزمن. اما لغتنا العربية فانها تعيش على الحطام تلهث
باللحاق بلغات الغرب وهي على فراش الموت البطيئ. الأمثلة الواقعية ما
أكثرها في حقل مصطلحات الأنترنيت، فإن مسحاً سريعاً لغالبية المواقع
العربية سيضعنا أمام حقيقة أن المشرفين على تلك المواقع تتملكهم الحيرة
ويتخبطون بالعجز المطلق واكثر مواقع انهيار اللغة العربية حين تقف أمام
الضعف اللغوي المطبق الذي تعاني منه مواقع الانترنيت ليس في ترجمة
المصطلحات ولكن ضعف اللغة خاصة في الكتابة التي يندى لها الجبين، الخطأ
يرتكبه المتعلم البسيط، وفي موقع كويتي نرى (مكتباة) بالتاء المدورة وليس
مكتبات!! ووضع (كوب 2000) بدلاً من (كأس 2000) الهجوم الكاسح لوسائل
الاتصالات الحديثة على اللغة العربية قد ضبب المشهد اللغوي كلية وغيَّب عن
البعض مجال الرؤية السليمة، بحيث أنهم صاروا يستعينون بالمترجم الآلي في
ترجمة البسيط والبديهي حتى في مصطلحات العلم، ولأن هذا المترجم من الحماقة
والغباء فإنه يتوصل إلى ترجمات هزلية. هناك تناقضات قائمة في جغرافية
اللغة، فأسماء الأشخاص والأماكن العربية والمغربية تحرف وتحول عن أصولها
لتتطابق مع مخارج الحروف اللاتينية؛ فاسم مراكش يتحول إلى (مَغَاكِش)،
وعبد الباقي إلى (أَبْدْ البَاكِي) باستعارة الميوعة الفرنسية. والاشد
كفرا ان اكثر الرسائل العربية المرسلة عبر شبكة عنتر تكتب بحروف انكليزية.
الاكثر تعقيدا انه ليس من لغة تستخدم الضمة والفتحة والكسرة غير اللغة
العربية مما تغدو محنة على الكاتب العربي.